فصل: هَذِهِ مَسَائِلُ شَتَّى لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِشَيْءٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتاوى الرملي



(سُئِلَ) عَنْ الصِّرَاطِ هَلْ وَرَدَ أَنَّهُ مِنْ كَذَا وَفِي ضَمَّةِ الْقَبْرِ لِلْمَيِّتِ هَلْ هِيَ قَبْلَ السُّؤَالِ أَوْ بَعْدَهُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي وَرَدَ أَنَّ الصِّرَاطَ جِسْرٌ مَمْدُودٌ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ يَمُرُّ عَلَيْهِ جَمْعُ الْخَلَائِقِ يَعْبُرُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَتَزِلُّ فِيهِ أَقْدَامُ أَهْلِ النَّارِ وَقَدْ وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَاسْتَفَاضَتْ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّهُ أَدَقُّ مِنْ الشَّعْرِ وَأَحَدُّ مِنْ السَّيْفِ» وَقَدْ أَجْرَاهُ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ لَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ لِيُوَافِقَ الْحَدِيثَ الْآخَرَ فِي قِيَامِ الْمَلَائِكَةِ جَنْبَيْهِ وَكَوْنِ الْكَلَالِيبِ فِيهِ وَإِعْطَاءِ الْمَارِّ عَلَيْهِ مِنْ النُّورِ قَدْرَ مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ وَمَا هُوَ فِي دِقَّةِ الشَّعْرِ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ بَلْ بِأَنَّ كَوْنَهُ أَدَقَّ مِنْ الشَّعْرِ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلْخَفِيِّ الْغَامِضِ.
وَوَجْهُ غُمُوضِهِ أَنَّ يُسْرَ الْجَوَازِ عَلَيْهِ وَعُسْرَهُ عَلَى قَدْرِ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي وَإِنْ دَقَّ كُلٌّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ وَلَا يَعْلَمُ حُدُودَ ذَلِكَ إلَّا اللَّهُ.
وَكَوْنُهُ أَحَدَّ مِنْ السَّيْفِ بِسُرْعَةِ إنْفَاذِ الْمَلَائِكَةِ أَمْرَ اللَّهِ بِإِجَازَةِ النَّاسِ عَلَيْهِ.
وَضَمَّةُ الْقَبْرِ لِلْمَيِّتِ قَبْلَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَالْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَأَبُو أَحْمَدَ وَالْحَاكِمُ فِي الْكُنَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي الْحَجَّاجِ الثُّمَالِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ الْقَبْرُ لِلْمَيِّتِ حِينَ يُوضَعُ فِيهِ وَيْحَك يَا ابْنَ آدَمَ مَا غَرَّكَ بِي أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي بَيْتُ الْفِتْنَةِ» الْحَدِيثَ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ الْمَيِّتَ يَقْعُدُ وَهُوَ يَسْمَعُ خَطْوَ مُشَيِّعِيهِ فَلَا يُكَلِّمُهُ شَيْءٌ أَوَّلَ مِنْ حُفْرَتِهِ فَيَقُولُ وَيْحَك يَا ابْنَ آدَمَ قَدْ حَذِرْتَنِي وَحُذِّرْتَ ضِيقِي» الْحَدِيثَ.
وَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ السَّعْدِيُّ فِي كِتَابِ الرُّوحِ لَهُ لَا يَنْجُو مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ صَالِحٌ وَلَا طَالِحٌ غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فَبَيْنَهُمَا دَوَامُ الضَّغْطَةِ لِلْكَافِرِ وَحُصُولُ هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْمُسْلِمِ فِي أَوَّلِ نُزُولِهِ إلَى قَبْرِهِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْإِفْسَاحِ لَهُ فِيهِ. اهـ.
(سُئِلَ) مَا الْمُرَادُ بِالْأَمَانَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} الْآيَةَ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمَانَةِ فِي قَوْله تَعَالَى الطَّاعَةِ لَمَّا قَالَ: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وَعَلَّقَ بِالطَّاعَةِ الْفَوْزَ الْعَظِيمَ أَتْبَعَهُ قَوْلَهُ: {إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} وَهُوَ يُرِيدُ بِهَا الطَّاعَةَ فَعَظَّمَ أَمْرَهَا وَفَخَّمَ شَأْنَهَا وَسَمَّاهَا أَمَانَةً؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةُ الْأَدَاءِ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا الْمُعَظَّمُ شَأْنُهَا بِحَيْثُ لَوْ عُرِضَتْ عَلَى هَذِهِ الْأَجْرَامِ الْعِظَامِ وَكَانَتْ ذَاتَ شُعُورٍ وَإِدْرَاكٍ لَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ مَعَ ضَعْفِ بِنْيَتِهِ وَرَخَاوَةِ قُوَّتِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْأَمَانَةِ الطَّاعَةُ الَّتِي تَعُمُّ الطَّبِيعِيَّةَ وَالِاخْتِيَارِيَّة؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَجْرَامَ الْعِظَامَ قَدْ انْقَادَتْ لِأَمْرِ اللَّهِ انْقِيَادَ مِثْلِهَا وَهُوَ مَا يَأْتِي مِنْ الْجَمَادَاتِ وَأَطَاعَتْ لَهُ الطَّاعَاتِ الَّتِي تَصِحُّ مِنْهَا وَتَلِيقُ بِهَا حَيْثُ لَمْ تَمْتَنِعْ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ إيجَادًا وَتَكْوِينًا وَتَسْوِيَةً عَلَى هَيْئَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَشْكَالٍ مُتَنَوِّعَةٍ كَمَا قَالَ: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} وَأَمَّا الْإِنْسَانُ فَلَمْ يَكُنْ صَالِحًا لِلتَّكْلِيفِ مِثْلَ حَالِ تِلْكَ الْجَمَادَاتِ وَإِبَاؤُهَا وَإِشْفَاقُهَا مَجَازٌ وَأَمَّا حَمْلُ الْأَمَانَةِ فَمِنْ قَوْلِكَ فُلَانٌ حَامِلٌ الْأَمَانَةَ وَمُحْتَمِلُهَا تُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّيهَا إلَى صَاحِبِهَا فَمَعْنَى: {أَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا} أَبَيْنَ أَنْ لَا يُؤَدِّيَنَّهَا وَأَبَى الْإِنْسَانُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَمِلًا لَهَا لَا يُؤَدِّيهَا.
وَقِيلَ إنَّهُ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ هَذِهِ الْأَجْرَامَ خَلَقَ فِيهَا فَهْمًا وَقَالَ إنِّي فَرَضْتُ فَرِيضَةً وَخَلَقْتُ جَنَّةً لِمَنْ أَطَاعَنِي فِيهَا وَنَارًا لِمَنْ عَصَانِي فِيهَا فَقُلْنَ نَحْنُ مُسَخَّرَاتٌ عَلَى مَا خَلَقْتَ لَا نَحْتَمِلُ فَرِيضَةً وَلَا نَبْتَغِي ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا وَلَمَّا خَلَقَ آدَمَ عَرَضَ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَحَمَلَهُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْأَمَانَةِ التَّكْلِيفُ وَبِعَرْضِهَا عَلَيْهِنَّ اعْتِبَارُهَا بِالْإِضَافَةِ إلَى اسْتِعْدَادِهِنَّ وَبِإِبَائِهِنَّ الْإِبَاءُ الطَّبِيعِيُّ الَّذِي هُوَ عَدَمُ اللِّيَاقَةِ وَالِاسْتِعْدَادِ وَيُحَمِّلُ الْإِنْسَانَ قَابِلِيَّتُهُ وَاسْتِعْدَادُهُ لَهَا وَكَوْنُهُ ظَلُومًا جَهُولًا لِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ وَالشَّهَوِيَّةِ.
(سُئِلَ) كَمْ صَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَضَانَ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ صَامَ تِسْعَ مَرَّاتٍ.
(سُئِلَ) هَلْ وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَدٌ صَحِيحٌ أَوْ ضَعِيفٌ أَنَّ مَنْ وَافَقَ قَوْلَ عَطْسَتِهِ فَهُوَ قَوْلُ صِدْقٍ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي يَحْصُلُ الْعُطَاسُ عِنْدَهُ صِدْقٌ لَهُ أَصْلٌ أَصِيلٌ فَقَدْ رَوَى أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَدَّثَ حَدِيثًا فَعَطَسَ عِنْدَهُ فَهُوَ حَقٌّ».
(سُئِلَ) عَنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ هَلْ هُمَا مِنْ نَسْلِ آدَمَ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ آدَمَ وَحَوَّاءَ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَوْلَادِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ وَحُكِيَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ احْتَلَمَ آدَم عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَاخْتَلَطَ مَاؤُهُ بِالتُّرَابِ فَأَسِفَ عَلَى ذَلِكَ فَخُلِقُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءَ فَهُمْ مُتَّصِلُونَ بِنَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَا مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ وَهَذَا ضَعِيفٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَحْتَلِمُونَ.
(سُئِلَ) كَيْفَ عَرَفَ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وُقُوعَ الْفَسَادِ مِنْ بَنِي آدَمَ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ وُقُوعِهِ حَيْثُ قَالُوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} الْآيَةَ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ عَرَفَ الْمَلَائِكَةُ ذَلِكَ بِإِخْبَارٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ تَلَقٍّ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ اسْتِنْبَاطٍ مِمَّا رُكِّزَ فِي عُقُولِهِمْ أَنَّ الْعِصْمَةَ مِنْ خَوَاصِّهِمْ أَوْ قِيَاسِ أَحَدِ الثَّقَلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ حَيْثُ أُسْكِنُوا الْأَرْضَ فَأَفْسَدُوا فِيهَا قَبْلَ سُكْنَى الْمَلَائِكَةِ.
(سُئِلَ) عَنْ الْمَلَائِكَةِ هَلْ كُلُّهُمْ مُطَّلِعُونَ عَلَى مَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَمْ بَعْضُهُمْ وَإِذَا قُلْتُمْ بَعْضُهُمْ فَهَلْ هُمْ مُعَيَّنُونَ؟
(فَأَجَابَ) لَيْسَ كُلُّ الْمَلَائِكَةِ مُطَّلِعِينَ عَلَى مَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ رَاكِعٌ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ سَاجِدٌ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا مِنَّا إلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} أَيْ مَقَامٌ فِي الْعِبَادَاتِ وَالِانْتِهَاءِ إلَى أَمْرِ اللَّهِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ لَا يَتَجَاوَزُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ شَأْنُهُ الِاسْتِغْرَاقُ فِي مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالتَّنَزُّهِ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهِ كَمَا وَصَفَهُمْ فِي مُحْكَمِ تَنْزِيلِهِ فَقَالَ: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} وَهُمْ الْعِلِّيُّونَ وَالْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لَيْسَ بِمُعَيَّنٍ، وَأَمَّا الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لِأَجْلِ الْإِيحَاءِ وَإِنْفَاذِ الْأَمْرِ فَمُخْتَصٌّ بِإِسْرَافِيلَ وَجَبْرَائِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
(سُئِلَ) هَلْ قَوْلُ سَيِّدِي عُمَرَ بْنِ الْفَارِضِ قَلْبِي يُحَدِّثُنِي بِأَنَّك مُتْلِفِي رُوحِي فِدَاكَ عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَعْرِفْ لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ الْخِطَابُ لِغَيْرِهِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِأَنَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَهَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ؟
(فَأَجَابَ) إنَّ الْخِطَابَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَرَفْتَ أَمْ لَا تَعْرِفُ جَازَيْتَ أَمْ لَمْ تُجَازِ فَهُوَ مَجَازٌ هَذَا أَحَدُ مَا قِيلَ فِي تَأْوِيلِهِ وَحُكِيَ عَنْ شِهَابِ الدِّينِ الْحِجَازِيِّ الشَّاعِرِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي زَمَنِهِ إنْكَارٌ عَلَى الشَّيْخِ بِسَبَبِ هَذَا الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يُنْكِرُ عَلَى الشَّيْخِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَرَأَى الشَّيْخَ فِي الْمَنَامِ وَقَالَ لَهُ إنَّ هَذَا الْتِفَاتٌ أَيْ عَرَفْتَ يَا عَذُولِي أَمْ لَمْ تَعْرِفْ.
(سُئِلَ) عَنْ قَوْله تَعَالَى: {يُحْيِي وَيُمِيتُ} لِمَ قَدَّمَ يُحْيِي عَلَى يُمِيتُ مَعَ أَنَّ الْمَوْتَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْحَيَاةِ؛ لِأَنَّ مَوْتَ الشَّيْءِ وَهُوَ كَوْنُهُ جَمَادًا سَابِقٌ عَلَى حَيَاتِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُتَقَدِّمَ إنَّمَا هُوَ الْحَيَاةُ لَا الْمَوْتُ بِنَاءً عَلَى رَأْيِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَيِّتِ عَلَى الْجَمَادِ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ مَا يَحِلُّهُ الْمَوْتُ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِصِفَةِ مَنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا فِي الْعَادَةِ فَيَكُونُ فِيهِ الْحَيَاةُ وَالرُّطُوبَةُ، وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ فَالْجَوَابُ إنَّ مِنْ الْحِكْمَةِ فِي تَقْدِيمِ يُحْيِي عَلَى يُمِيتُ الِاهْتِمَامَ بِشَأْنِهِ لِلْإِشَارَةِ أَوَّلًا إلَى الرَّدِّ عَلَى مُنْكِرِي الْبَعْثِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَدَرَ عَلَى الْإِحْيَاءِ أَوَّلًا قَدَرَ أَنْ يُحْيِيَهُمْ ثَانِيًا فَإِنَّ بَدْءَ الْخَلْقِ لَيْسَ بِأَهْوَنَ عَلَيْهِ تَعَالَى مِنْ إعَادَتِهِ وَمِنْهَا أَيْضًا التَّذْكِيرُ أَوَّلًا بِنِعْمَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ خُصُوصًا الْحَيَاةَ الثَّانِيَةَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ الَّتِي هِيَ الْحَيَاةُ الْحَقِيقِيَّةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} وَإِنْ حَلَّ قَوْلُهُ يُحْيِي عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ حَتَّى تَشْمَلَ الْحَيَاةُ مَا يَخُصُّ الْإِنْسَانَ مِنْ الْفَضَائِلِ كَالْعَقْلِ وَالْإِسْلَامِ وَالْعِلْمِ فَفِيهِ تَذْكِيرُ نِعْمَةٍ هِيَ أَعْظَمُ النِّعَمِ وَمِنْ إطْلَاقَاتِ الْحَيَاةِ عَلَى الْفَضَائِلِ قَوْله تَعَالَى: {أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}.
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ إنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَإِنَّهُ كَمَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ الَّذِي يَمْنَعُ اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ يَحْرُمُ الْكَلَامُ الَّذِي يَمْنَعُ اسْتِمَاعَ الْحَدِيثِ هَلْ هُوَ مُصِيبٌ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ قَوْلَ هَذَا الْقَائِلِ مَرْدُودٌ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ أَئِمَّةِ أُصُولِ الدِّينِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ الْأَزَلِيُّ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ تَعَالَى فَهُوَ صِفَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ؛ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ وَلَا يَصِحُّ اعْتِقَادُ ظَاهِرِ مَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ مِنْ حَقِيقَةِ التَّشْبِيهِ وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ فَإِنَّ الْقُرْآنَ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ لِلْقَدِيمِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُرُوفٌ، وَأَصْوَاتٌ حَادِثَةٌ صِفَةٌ لِحَادِثٍ وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي تَفْسِيرِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أَنَّهُ لَيْسَ كَذَاتِهِ ذَاتٌ وَلَا كَاسْمِهِ اسْمٌ وَلَا كَفِعْلِهِ فِعْلٌ وَلَا كَصِفَتِهِ صِفَةٌ وَجَلَّتْ الذَّاتُ الْقَدِيمَةُ أَنْ تَكُونَ لَهَا صِفَةٌ حَادِثَةٌ كَمَا اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ لِلذَّاتِ الْحَادِثَةِ صِفَةٌ قَدِيمَةٌ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَقَالَ الْمُحَقِّقُ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ النَّسَفِيِّ وَلَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ: فَإِنَّ أَوْصَافَهُ تَعَالَى مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَجَلُّ وَأَعْلَى مِمَّا فِي الْمَخْلُوقَاتِ بِحَيْثُ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُمَا.
وَالْمُرَادُ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ أَئِمَّةِ أُصُولِ الْفِقْهِ اللَّفْظُ الْمُنَزَّلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْإِعْجَازِ بِسُورَةٍ مِنْهُ الْمُتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهِ وَلَا يَصِحُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا إرَادَةُ حَقِيقَةِ التَّشْبِيهِ فَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ التَّعَبُّدَ بِالتِّلَاوَةِ مِنْ خَوَاصِّ الْقُرْآنِ وَبِأَنَّ الْإِعْجَازَ أَيْضًا مِنْ خَوَاصِّ الْقُرْآنِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ لِكَوْنِ الْقُرْآنِ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْبَلَاغَةِ؛ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الدَّقَائِقِ وَالْخَوَاصِّ الْخَارِجَةِ عَنْ طَوْقِ الْبَشَرِ فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ مُخْطِئٌ فِي إطْلَاقِ التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ التَّشْبِيهَ فِي أَمْرٍ مَقْبُولٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ التَّجَاسُرِ عَلَى مِثْلِ هَذَا، وَإِنْ اعْتَقَدَ حَقِيقَةَ التَّشْبِيهِ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْهَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ الَّذِي يَمْنَعُ اسْتِمَاعَ الْقُرْآنِ وَقِيَاسِ الْكَلَامِ الَّذِي يَمْنَعُ اسْتِمَاعَ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إذَا الْإِصْغَاءُ وَالِاسْتِمَاعُ إلَى الْقُرْآنِ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ.